بدأ هطول الأمطار خفيفاً … يبعث في النّفس الانشراح و السرور … ثم لم يلبث أن اشتدّ هطول الأمطار … و بدأ الناس في الإسراع و مُحاولة الاحتماء … انتحى رضوان بدوره و فتح مظلّته … و أخذ يُراقب حركة المارّة
مرّ من أمامه رجلٌ حسنُ الهندام … وسيم الملامح … لم يُؤثِّر الماء المنهمر على طريقة مشيه المتّزنة … سأله رضوان باهتمام :
لم لا تحتمي من المطر مثلما يفعل الآخرون … ؟؟؟
أجاب ذلك الرجل :
و لماذا أفعل ذلك ؟؟؟
قال رضوان :
و هل من العقل أن تبقى تحت المطر … ؟؟؟
أجاب الرجل :
أولى درجات الحُمق أن تعتقِد بأنّ عاقل …
ثم أضاف وهو ينصرِف :
من يخاف زخّات المطر لا يُمكنه يوماً أن يعبُر البحر …
بقي رضوان مُندهشاً … حتى رأى كهلاً يجري مُهروِلاً نحوه … اقترب منه كثيراً … و زاحمه تحت مظلّته فسأله رضوان :
من أنت … ؟؟؟
أجاب الكهل :
ألا تعرفني ؟؟؟
قال رضوان :
ربما نسيتُكَ … الأصحاب كُثُر … و الأيّام مِمحاة …
ضحك الكهل و قال :
صدقْتَ … فنحن ننسى من شاركنا الضحك … لكنّنا لا ننسى من شاركنا البكاء …
ثم التفت ناحية الطريق … و انطلق يجرُّ أذيال خيبة بدت على وجهه …
ساد الصمت بداخل رضوان للحظات بدت طويلة … استرجع خلالها صوراً كثيرة … لكن من بين تلك الصور أشرقت صورٌ مُتعدِّدة … و في مُحاولةٍ منه لمعرفة سر تلك الإشراقات
أخذ رضوان يُردِّد
بعض الناس كالغذاء النافع … و بعضهم كالسّم الناقع …
ثم لم يلبث أن لمح من بعيد شاباً يسير بلامبالاة بما يدور حوله … كأنما يسبح في الخيال … ابتلَّت ملابسه … شعر رضوان بالشَّفقة نحوه و تمنّى لو شاركه الاحتماء بمظلّته …
ثم لم يلبث أن توجّه ذلك الشاب نحوه بخطوات عابثة … نظر أليه تم قال :
محظوظ أنت بهذه المظلَّة … عرفتَ كيف تتصرّف جيِّداً
أجاب رضوان :
… الحياة تجارب
نظر إليه ذلك الشاب و ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه و قال :
التجارب يتحدّث عنها الناس حينما يتحدّثون عن أخطائهم …
قال رضوان :
و لم لا تكون هذه التجارب نابعة من أفكار قيّمة
نظر إليه ذلك الشاب و قال :
الناس مثلي … لا حظّ لهم في هذه الحياة … فلو اتَّجرتُ في الأكفان مثلاُ ما مات أحد … فلماذا أتعب و أكدّ …
ثم ولّى سائراً تحت المطر دون أن ينتظر جواباً !!!
لاحظ رضوان أن المطر آخذٌ في الاشتداد … و ربما لا تصمد مظلّته المتهالكة كثيراً … بدأ يسير نحو الشارع الرئيسي … اشتدّ هطول الأمطار فلم يسعه سوى النداء :
تاكسي … تاكسي …
توقّف التاكسي … ركب بسرعة … سأله السائق :
إلى أين سيدي
أجاب رضوان :
إلى يوم غد … لو سمحت